فضاء حر

حتى لا نغرق بدمائنا

يمنات
جميل أن يدرك الجميع خطورة العنف ويقتنع بضرورة مواجهته، لا بأس من أن تتلقى “جماعات الإرهاب” كل هذه الضربات القاسية، ولكن.. أن يظل البلد برأسماله البشري والمادي وقودا في مواجهات متجددة، فهذا هو “الإرهاب” الأكثر راديكالية؛ لقد استُخدمت هذه “الأفة” خلال عقود من الزمن كأداة أصيلة لتصفية الخصوم في الداخل، وفزاعة ناجعة لابتزاز الخارج، واليوم نخشى أن تكون ذريعة للهروب من استحقاقات داخلية.. هي السبب الرئيس لكل أزماتنا المزمنة!
أعتقد أننا لسنا بحاجة لإهدار طاقتنا المهدرة سلفا والبائسة أصلا؛ في انفعالات مكلفة مع تراكمات خبيثة، ونتائج شاخصة لغياب الدولة، فمن غير المجدي أن نشن حربا مفتوحة ضد “الإرهاب”، دون ترجمة مسؤولة للإرادة الوطنية بالمقابل، والمضي نحو بناء دولة مدنية حديثة، من شأنها أن تجفف منابع الإرهاب وتردم بؤر العنف والتطرف.
علينا أن نعمل على إيجاد مؤسسات الدولة الضامنة أولا لتكون مواجهاتنا لاحقا مع كل الإشكاليات العالقة متممة ومجدية فعلا، لا أن نمضي هكذا والبلد عاطل عن العمل، بدولة عاجزة عن بسط نفوذها على الأرض وتأمين الحد الأدنى من سبل العيش لمواطنيها و حماية حتى أبراج الكهرباء!
ينبغي ان لا يستمر الهدر عبثا؛ أن نحارب الإرهاب ونتجاهل جذوره العالقة فينا؛ بالأمس القريب أنتصر اللواء (سالم القطن) على “أنصار الشريعة” في أبين، ففجعنا باغتياله الآثم بعد أيام قلائل من انتصاره، ثم اغتياله ثانية بالحكم مؤخرا على منفذ الجريمة بالسجن خمسة عشر عاما، وهو ما يؤكد أن قيادات نافذة؛ تشكل جيوبا أمنية وعسكرية “للجماعة”، متورطة أيضا في تدبير العملية !!
وها هو اللواء (محمود الصبيحي) اليوم يلقن العدو درسا في مواجهة شرسة تبدو وكأنها حاسمة، وعليه يجب أن نفصح هنا عن خشيتنا وخوفنا من أن يناله نفس مصير رفيق دربه السابق؛ طالما والأسباب باقية والتغذية مستمرة؛ في غياب مؤسسات الدولة الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية؛ الجهل والفقر والبطالة والفساد و و و و.. التعليم مفخخ والشارع يضج بالانفلات وكل ما هو أسوأ ، عناصر القهر والموت تتوالد وتترعرع وتحظى بكل أشكال الرعاية التي يفتقدها المواطن البسيط الحالم بوطن أمن ومزدهر يتسع للجميع..
جماعات وجمعيات ومراكز خاصة تجمع المال، بكل سهولة ويسر ، تحت يافطات متعددة ملتبسة بالخير؛ تنشط وتستقطب مستغلة حاجات الناس وظروفهم المتعَبة ، بينما مؤسسات ثقافية ومنظمات مدنية وأحزاب، تمتلك رؤى وبرامج نافعة تغلق أبوابها لعدم مقدرتها على الوفاء بالتزاماتها وتنفيذ أنشطتها اليومية، الأسلحة تتكدس كسلعة رائجة، والشحنات تتوافد إلينا ، ولا نعلم إلى أين تذهب ومن الجهات المستوردة؛ مشايخ وعقال حارات يمتلكون مخازن أسلحة تجعلهم قادرون على إشعال حروب لا تنتهي !!
الحاصل أن رموز العنف يشكلون أركان النظام، ويستولون على مقدرات هذا البلد، وعليه أصبح “الإرهاب” ثقافة، ولا يمكن القضاء عليه بتداعياته وتفاقم حدته، بعمليات عسكرية؛ دون احتواء نتائج فعل تأثيراته الممعنة في التغلغل والمناورة!
قلنا باختصار: نريد دولة، وبالتالي، يجب أن نضع أول لبنة في الطريق؛ بتشكيل حكومة كفاءات وفق استراتيجية وطنية تلبي متطلبات المرحلة من خلال الإدارة ب(التنمية) وليس ب”الأزمات”، والبدء بإتخاذ إجراءات صارمة لمصادرة كل أدوات العنف المكدسة على هذا الوجع الممتد، ورفع “الغطاء الرسمي “عن مراكز القوى العسكرية والقبلية والدينية التي هي أس وأساس كل خراب وإرهاب !!

زر الذهاب إلى الأعلى